الاغتسال قبل العمرة للنساء له حُكم شرعي يجب معرفته، ذلك أن العمرة رحلة تعبدية وإيمانية عميقة، ولها سنن وأركان ومحظورات يلتزم بها المُحرم حتى يصح إحرامه ولا يأثم، بعضها يشترك فيها الرجل والمرأة، والبعض ينفرد به النساء دون الرجال.
حكم الاغتسال قبل العمرة للنساء
إذا أرادت المرأة الإحرام فإنه يُستحب لها الإحرام مثلها مثل الرجل، ذلك أن الاغتسال قبل العمرة ليس بواجب وهو ما قال به كثير من أهل العلم مثل: مالك، الثوري، طاووس، الشافعي، والنخعي وغيرهم الكثير.
كما يُستدل على ذلك بالحديث المروي عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: “ أنَّهُ رأى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تجرَّدَ لإِهلالِهِ واغتسلَ” [صحيح/ أخرجه الترمذي].
كما ثبت عن عليه الصلاة والسلام أمره لأسماء بنت عميس بالاغتسال للإحرام، فقد روت السيدة عائشة – رضي الله عنها – فقالت: ” نفست أسماءُ بنتُ عميسٍ بمحمَّدِ بنِ أبى بَكرٍ بالشَّجرةِ فأمرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبا بَكرٍ أن تغتسلَ فتُهلَّ”. [صحيح / صحيح أبي داود].
كما قال ابن قدامه – رحمه الله -: ولأن هذه العبادة يجتمع لها الناس فسن لها الاغتسال كالجمعة وليس ذلك واجبا في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإحرام جائز بغير اغتسال وأنه غير واجب.
اقرأ أيضًا: هل يجوز ارتداء الكمامة في العمرة للنساء وما هي أحكام العمرة للنساء؟
طريقة الاغتسال قبل العمرة
ليس للغسل قبل الإحرام صفة خاصة تختلف عن الغسل المعروف، فالاغتسال قبل العمرة للنساء والرجال واحد، ويقصد به تعميم كافة الجسد بالماء، فمن عمّم الماء على سائر بدنه فقد حقق الغسل المشروع قبل الإحرام، إلا أن الأفضل الإتيان به على الصفة التي نُقلت عن رسول الله، وتتمثل في القيام ببعض الأمور على الترتيب، وهي:
- النية: حيث إنها أساس كل عمل، فتنوي المرأة أو الرجل الغسل ثم التسمية، ثم غسل اليد ثلاثًا.
- الوضوء كما للصلاة.
- سكب الماء على الرأس (ثلاث حثيات) بحيث يصل الماء إلى فروة الرأس.
- تعميم الجسد بالماء: بحيث يفيض الماء على كل الجسد والذي يعد ركن أساسي في الغسل.
- سكب الماء على الجانب الأيمن، ثم الجانب الأيسر.
- غسل القدمين ثلاثًا: فيغسل القدمين بماء نظيف وطاهر كخطوة نهائية للغسل.
حيث روت السيدة عائشة – رضي الله عنها- صفة اغتسال الرسول فقالت: “ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ. ثُمَّ يُفْرِغُ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ. ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ يَأْخُذُ المَاءَ فيُدْخِلُ أصَابِعَهُ في أُصُولِ الشَّعْرِ، حتَّى إذَا رَأَى أنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ. ثُمَّ أفَاضَ علَى سَائِرِ جَسَدِهِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ”.
اقرأ أيضًا: هل الدعاء في العمرة مستجاب؟ وما أفضل الأدعية لترديدها؟
محظورات الإحرام للنساء
الاغتسال قبل العمرة للنساء ليس بواجب، لذا سواء اغتسلت المرأة قبل الإحرام أم لا فإحرامها صحيح، لكن عليها العلم ببعض المحظورات التي تتجنبها خلال الإحرام، وتشمل:
أولًا: محظورات يشترك فيها الرجل والمرأة
هناك بعض المحظورات في العمرة التي يجب أن يتجنبها الرجل والمرأة، وهي:
1- إزالة شعر الرأس
فيحرم على المحرم بحج أو عمرة إزالة شعر رأسه بحلق أو غيره، والدليل على ذلك قوله تعالى: ” وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ…” (البقرة/ 196)، فمن تعمد ذلك فعليه فدية، وقد ألحق به الجمهور شعر سائر البدن.
أما إن سقط الشعر من تلقاء نفسه فلا إثم ولا حرج في ذلك، كما يمكن إزالته في حال الأذى مع وجوب الفدية على المُحرم، وذلك لقوله عز وجل: “ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ…”
2- استعمال الطيب
فإنها من المحظورات التي تُبطل الحج أو العمرة إن قام بها المُحرم سواء كان التطيب في بدن أو ثوب.
يُستدل على ذلك بما رواه ابن عمر-رضي الله عنه- عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ سأل رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يترُكُ المُحرِمُ مِن الثِّيابِ؟ فقال: لا يَلبَس القَميصَ ولا البُرنُسَ ولا السَّراويلَ ولا العمامةَ، ولا ثوبًا مَسَّه وَرسٌ ولا زَعْفَران”.
أما إن كان قد استعمل الطيب على بدنه أو ثوبه قبل الإحرام وبقي أثره فلا ضرر منه، وذلك لقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: “ كأنِّي أنظرُ إلى وَبيصِ الطِّيبِ في رأسِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، وَهوَ مُحرِمٌ وفي روايةٍ وبيصِ طيبِ المسكِ في مَفرقِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ”.
3- تقليم الأظافر
فهي من محظورات الإحرام بالإجماع، فقد قال ابن قدامه: “ أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره”، ولا فرق بين تقليم أظافر القدمين أو اليدين في ذلك، أما لو انكسر الظفر وحده أو تأذى منه المُحرم فقصّه بقدر الأذى فلا حرج في ذلك ولا تجب عليه الفدية.
4- عقد النكاح
فلا يجوز للمحرم أن يعقد نكاح غيره أو يتزوج حتى يتحلل من إحرامه، والدليل على ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ لا ينكِحُ المحرِمُ ولا يُنكِحُ ولا يخطُبُ ولا يُخطَبُ عليه”.
5- الجماع
يعد هذا من أعظم محظورات الإحرام وتأثيرًا عليه، فمن قام به فسد حجه أما ما ترتب عليه فيوجب الفدية، ويستدل عليه من قول الله عز وجل: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ…” (البقرة/ 202).
فيقصد بالرفث المذكور في الآية: الجماع ومقدماته.
6- المباشرة بشهوة
سواء كان ذلك بتقبيل أو مس أو غير ذلك، فالمباشرة تعني أن تمس بشرة الرجل بشرة المرأة بدون حائل مع الشهوة، وتتضمن كذلك مقدمات الجماع، فلا يجوز للمحرم تقبيل زوجته أو مسّها بشهوة، ولا يحل للمرأة أن تمكنها من ذلك قبل أن تتحلل من إحرامها.
يستدل على ذلك بقول الله -عز وجل-: “فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ…”
7- الصيد أو قتل الصيد
فلا يجوز للمحرم صيد البر (حيوانات البر المأكولة) ولا قتله أو حتى الإعانة على ذلك، وذلك لقول الله عز وجل: “وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” (المائدة: 96).
بل يحرم على المُحرم أكل الصيد الذي اصطاده غير المُحرم له أما إن أكل مما لم يُصد لأجله فلا حرج عليه.
اقرأ أيضًا: ما هي الأدعية التي ندعي بها أثناء العمرة
ثانيًا: محظورات للنساء فقط
- وضع المكياج: فإنه يحظر على المُحرمة استخدام المكياج سواء كان برائحة أو لا، وهذا ما أجمع عليه أهل العلم؛ لأن ذلك يتعارض مع الطهارة والبساطة التي يجسدها الإحرام.
- تغطية الوجه واليدين أثناء الصلاة: فإن كانت المرأة في العادة تغطي وجهها ويديها فإنها تمتنع عن ذلك خلال الإحرام، والدليل على ذلك ما رواه عبد الله بن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ.
الاغتسال قبل العمرة للنساء والرجال ليس بواجب، فلا يأثم تاركه ولا يؤثر على إحرامه، بيد أنه من سنن الإحرام التي ينبغي الحرص على إتيانها امتثالًا لرسول الله.
