حوار بين شخصين عن الصدق يُثري تلك الصفة العظيمة في القلوب، حيث إنّ الصدق إذا تمكّن من القلب أناره، وظهر أثره على المرء وتبين في عقيدته وسلوكه وعبادته، فأزهر للعبد حياته واكسبه محبة الله والناس أجمعين.
حوار بين شخصين عن الصدق
جدول المحتويات
حدّثت الابنة والدتها عما حدث معها في المدرسة اليوم، وأخبرتها كيف نجحت في الكذب على معلمتها لتفادي عقوبة عدم حل الواجب.. فنهتها الأم عن ذلك وبدأت تُحدثها عن الصدق وثمرته وكيف حثّ عليه الإسلام، فدار بينهما الحوار التالي:
الأم: سأحدثكِ اليوم يا ابنتي عن الصدق وكيف أنه يُنجي صاحبه في الدنيا والآخرة.
الابنة: لكني نجوت اليوم من العقاب بفضل الكذب!
الأم: إن الكذب يا بُنيّتي وإن بدا لكِ كحل سريع أو وسيلة لتفادي العقاب أو تجنب مشكلة إلا أنه مصيدة لا فرار منها.. حيث لن تكتفي بكذبة واحدة حتى تجدين نفسك بحاجة إلى كذبة أخرى لتغطي على كذبتك الأولى.. وهكذا.
لذا أوصيك بالصدق دائمًا، حتى وإن واجهتي موقفًا عصيبًا ووجدت أنكِ مترددة فيه بين قول الحقيقة أو اللجوء إلى الكذب فعليكِ اختيار الصدق.. وتذكري أن الصدق هو الطريق الذي يجب أن تسيري فيه حتى وأن كان صعبًا.
اقرأ أيضًا: اذاعة مدرسية عن الصدق
أهمية الصدق في الإسلام
إن الصدق يربط بين القلوب ويحررها من الشك والريبة، له أثار طيبة على الفرد والناس أجمعين، هو صفة من صفات المؤمن حث عليه الإسلام، ومن خلال استكمال حوار بين شخصين عن الصدق نُبين أهميته.
الابنة: حسنًا يا أمي هل الصدق سلوك إنساني أم أمر رباني؟
الأم: كلاهما معًا يا ابنتي.. فهو ضرورة من ضروريات المجتمع وفضيلة من فضائله، كما أنه مأمور به في الإسلام، فقد ورد الحث عليه في القرآن ومن ذلك قوله تعالى:
- “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” (سورة التوبة: 119)، وقد فسر ابن كثير الآية فقال: أي الزموا الصدق لتكونوا من أهله.
- “فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ…” (سورة محمد: 21).
- “ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا” (الأحزاب: 23 – 24).
كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث التي تحثّ عن الصدق وتُبين مكانته في الإسلام، ومن ذلك:
- ما رواه ابن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله أنه قال: “ عليكم بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البرِّ وإنَّ البرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ وما يزالُ الرَّجلُ يصدقُ، ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عندَ اللهِ صدِّيقًا وإيَّاكم والكذبَ فإنَّ الكذبَ يَهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ، وما يزالُ العبدُ يَكذبُ ويتحرَّى الكذبَ حتَّى يُكتبَ عندَ اللهِ كذَّابًا”
- ما رواه الحسن بن علي بن أبي طالب عن رسول الله أنه قال: “ – دعْ ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبَةٌ.”
- ما رواه أبو سفيان بن حرب عن عبد الله بن عباس قال: “ أ أَخْبَرَنِي أبو سُفْيَانَ، أنَّ هِرَقْلَ قَالَ له: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أنَّه أمَرَكُمْ بالصَّلَاةِ، والصِّدْقِ، والعَفَافِ، والوَفَاءِ بالعَهْدِ، وأَدَاءِ الأمَانَةِ، قَالَ: وهذِه صِفَةُ نَبِيٍّ.”
- عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله أنه قال: “ أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدُّنيا حفظُ أمانةٍ وصدقُ حديثٍ وحسنُ خُلقٍ وعِفَّةٌ في طُعمةٍ.”
فكل تلك الأحاديث يا ابنتي إنما تحثّ على الصدق وتُبين فضله وأهميته في الإسلام، وهو يشمل الصدق مع الله، ومع العباد، في القول وفي الفعل، في النية، في الوعود، في المعاملات مع الناس، وفي الشهادة والنكاح، وفي كل الأمور.
الابنة: وهل تحدث الإسلام كذلك عن الكذب؟
نعم.. تحدث عنه ونهى عنه، وبين عاقبته، فإنه من صفات المنافقين، قبيح في الإنسانية، ومحرم في الدين، ولم يحله الشرع إلا في حالات ثلاث.
الابنة: وما هي تلك الحالات؟
الأم: هي ما ذُكرت في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال في الذي روته أم كلثوم بنت عقبة: “ لم أسمَعْ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يرخَّصُ في شيءٍ مِمَّا يقولُ النَّاسُ إنَّه كذِبٌ إلَّا في ثلاثٍ: الرَّجلُ يُصلِحُ بينَ النَّاسِ والرَّجُلُ يكذِبُ لامرأتِهِ والكذِبُ في الحَربِ.”
اقرأ أيضًا: أفضل وأحدث اذاعه عن الاخلاق
فضل الصدق وفوائده
الأم: هل تعلمين يا بنيتي أن للصدق آثار وفوائد تظهر على الصادق فيُعرف بين الناس!
الابنة: وما هي فوائده يا أمي؟
الأم: هناك العديد من الفوائد التي يجدها الصادق في الدنيا والآخرة، وهي:
1- الصدق سبب في دخول الجنة
ذلك لقول الله عز وجل: ” قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ” (آل عمران: 15 – 17).
كما جاء في سورة المائدة: ” قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)”
2- الصادق من أفضل الناس
فقد أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المروي عن بن عمرو، حيث قال: “ قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أيُّ الناسِ أفضلُ قال كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ قال هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ.”
3- سببٌ لنزول البركة
فقد رُوي عن رسول الله أنه قال: “ البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا -أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما.”
4- سبب في استجابة الدعاء
فإن العبد الصادق مُستجاب الدعوة ويتحقق له كامل الأجر للعمل الذي نواه بصدق ولم يفعله، ويستدل على ذلك بما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ من سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ صادقًا بلَّغَه اللَّهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن ماتَ علَى فراشِه.”
5- سبب في رضا الله وبلوغ أعلى المنازل
فإن الصادق يرتقي على منازل الصالحين والصديقين والأبرار، حيث قال تعالى: ” وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا” (النساء: 70).
كما أن الصدق سبب في رضوان الله، حيث قال عز وجل: “ قَالَ اللهُ هَذَا يَوْم يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (المائدة: 119).
الابنة: إن للصدق منزلة عظيمة عند الله وفوائد يود المسلم إدراكها حقًا!
الأم: نعم يا ابنتي.. وإن أردت بلوغ تلك المنازل فعليك أن تكوني صادقة دائمًا.. صادقة مع نفسكِ ومع الآخرين، فإن الصدق يحفظ كرامتك ويُكسبكِ احترام الناس وثقتهم.
اقرأ أيضًا: أفضل وأحدث اذاعه عن الاخلاق
صفات الصادقين
الصدق يكشف معادن الناس وطيب سيرتهم، أما الكذب فيكشف عما طوية صاحبه الخبيثة وعن قبح سيرته، وللصادقين خِصال يعرفن بها، ونُبينها عبر سرد حوار بين شخصين عن الصدق.. هما أم وابنتها:
الابنة: وكيف أعرف يا أمي إن كُنت من الصادقين أم لا؟
الأم: إن للصادقين يا ابنتي سِمات يُعرفون بها.. حيث يظهر الصدق في أفعالهم وأقوالهم، وحتى على وجوههم، فتجدي أنهم أهل إحسان وبر وتقوى، وهذا وصف الله عز وجل لهم حيث قال:
” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”
يا بُنيتي إن الصادق يُعرف من قول الحق دائمًا، كما أنه يدافع عن معتقداته دون تردد أو خوف، يعبر عن رأيه حتى وإن لم يوافقه أحد، كما أنه يعلم أن الكذب ليس من صفات المؤمنين فيلزم الصدق الذي هو من الصفات التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال:
“ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا”.
كما أن الصادق تجده كثير التسامح والصفح، لا يعرف غشًا ولا حقدًا أو حسد، يُعرف بصبره وهدوئه ويفعل كل أفعال الخير، ويُعرف بمحبة الناس له.
الابنة: جزاكِ الله خيرًا يا أمي، وأعدك من اليوم أن أتحرى الصدق في كل قول أو عمل، وألا أكذب ما حييت.
الأم: ولكِ مثله يا ابنتي.. ووفقكِ الله لكل ما يحب ويرضى، وأعانك على فعل كل جميل.
إن الصدق صفة نبيلة وسلوك إنساني عظيم، وعلى كل راعٍ أن يغرس تلك الصفة في رعيته، يوصيهم بها ويحثهم عليها بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، فإنها إن ملكت المرء حسّنته، ويمكن الاستعانة في ذلك بحوار بين شخصين عن الصدق.