يتساءل العديد من الناس عن الامام الشافعي ذلك العالم العظيم الذي كان متوسعًا في اللغة والفقه حتى أنه قام بتأسيس المذهب الشافعي، كما قام بعدد من الإنجازات العلمية العظيمة.
لذا دعونا نتعرف في هذا المقال إلى نشأة الشافعي وصفاته ورحلته في طلب العلم، بالإضافة إلى أهم انجازاته العلمية.
من هو الامام الشافعي؟
جدول المحتويات
هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وهو نسيب الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عمه، إذ أن المطلب هو أخو هاشم بن عبد المطلب.
مولده ونشأته
ولد الامام الشافعي في غزة عام 150 هجرية، وتوفى والده في شبابه فنشأ محمد يتيمًا، ربته والدته فاطمة بنت عبدالله الأزدية، وانتقلا إلى مكة وكان عمره عامين، تعلم الشافعي الرماية في طفولته حتى فاق أقرانه فيها، كما تعلم اللغة العربية والشعر وبرع فيهما.
حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، كما حفظ الأحاديث النبوية الشريفة وكان حريصًا على جمعها، فكان يكتب ما يسمعه من الأحاديث على الخزف والجلود، ثم درس الفقه وتفوق فيه على أهل زمانه، كما أقبل على دروس اللغة والنحو.
رحلته في طلب العلم
انتقل الشافعي إلى المدينة المنورة وهو في الثالثة عشر من عمره، وكان حينها مؤهلًا للإمامة، حيث كان يحفظ موطأ الإمام مالك، كما فهم قواعد السنة ومقاصدها وعلم الناسخ والمنسوخ، وضبط قواعد القياس والموازين، ثم انتقل إلى الكوفة عام 165 هـ لطلب العلم.
تلقى الشافعي العلم على يد عدد كبير من الشيوخ في بلاد متفرقة أثناء ترحاله من بلد لأخرى، حيث تعلم في مكة على يد الشيخ مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، والشيخ سفيان بن عيينة، والشيخ سعيد بن سالم القداح، والشيخ داود بن عبد الرحمن العطار، والشيخ عبد الحميد بن عبد العزيز بن زواد وغيرهم.
كما تلقى العلم في المدينة المنورة على يد الإمام مالك بن أنس، والشيخ إبراهيم بن سعد الأنصاري، وعبدالعزيز الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيي، وإسماعيل بن جعفر، وعطاف بن خالد، وغيرهم.
بالإضافة إلى عدد آخر من المشايخ في اليمن ومنهم مطرف بن مازن وهشام بن يوسف القاضي، أما في العراق فقد أخذ العلم عن محمد بن الحسن فقيه العراق، وإسماعيل بن علية، ثم أسس مذهبه وارتحل إلى مصر، وبقى فيها سنوات عديدة إلى أن توفاه الله.
إنجازاته العلمية
أقام الإمام الشافعي مدة طويلة في العراق درس خلالها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني وناظر العديد من أهل العلم والرأي، وأخذ يدرس المذهب الحنفي كما كان يدرس آراء الإمام مالك الفقهية في المدينة.
أراد الشافعي أن يؤسس مذهب يجمع بين فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي) فخرج إلى الناس بمذهب خاص به وهو المذهب الشافعي.
دوّن الشافعي مذهبه على ثلاث مراحل في ثلاث بلدان مختلفة، وكانت الأولى في مكة المكرمة التي كان له فيها حلقة علم في المسجد الحرام، ثم سافر إلى بغداد مرة ثانية في عام 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به أساس علم أصول الفقه، والمرة الثالثة كانت في مصر التي ارتحل إليها عام 199 هجرية.
حين ارتحل الشافعي إلى مصر وجد أهلها ينقسمون بين مذهبي الإمام مالك والإمام أبي حنيفة، وكان حينها قد زادت خبرته ونضجت آرائه، فاستطاع تكوين آراء فقهية تجمع بين حسنات المذهبين.
ثم أعاد تصنيف كتاب الرسالة الذي كان قد كتبه في بغداد، وقد تعلم على يديه العديد من التلاميذ في مختلف البلدان التي زارها.
منهج الإمام الشافعي
استطاع الشافعي التوفيق بين مدرسة أهل الحديث والأثر والتي كان يمثلها الإمام مالك بن أنس، ومدرسة أهل الرأي والتي كان يمثلها أبو حنيفة، فكان مذهب الشافعي وسطيًا يجمع بين الأحاديث والآثار الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبين إعمال العقل واحترام الرأي.
أخذ الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح وأدخلها ضمن القياس وشرحها، كما أخذ بالعرف مثل الإمام مالك، وقد كان يتمسك بالأحاديث الصحيحة ويعرض عن الأخبار الواهية، واهتم بوضع مصطلحات كثيرة في الحديث مثل الفرق بين حدثنا وأخبرنا.
ملخص إنجازات الشافعي
قام الامام الشافعي بالعديد من الإنجازات العلمية، ومن أبرزها مايلي:
- يعد أول من أسس علم أصول الفقه في كتابه الرسالة.
- هو صاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة لدى أهل السنة والجماعة.
- له عدد من المؤلفات في الفقه وأصوله والقرآن والحديث، ومن أهم مؤلفاته: كتاب الأم، جماع العلم، إبطال الاستحسان، أحكام القرآن، إلى جانب كتاب الإملاء الصغير، والأمالي الكبرى، وكتاب مختصر المزني، ومختصر البويطي.
- روى الكثير عنه من الأحاديث، وقد جمعت الأحاديث التي رواها في “مسند الشافعي”.
- تتلمذ على يديه الكثيرون، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي، والحسن الصباح الزعفراني، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد العباسي، وأبو الوليد موسى بن أبي الجارود، وأبو بكر محمد بن إدريس.
أهم صفات الإمام الشافعي
شهد الكثيرون بأن الشافعي كان صاحب علم وخلق عظيم، وفيما يلي أبرز الصفات التي اتصف بها الشافعي:
- الفقه والعلم الغزير: حيث كان من أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسوله، كما كان متمكنًا في اللغة وعلم المعاني وغيرهم من العلوم، وقد قال عنه أحمد بن حنبل “كان الفقه قفلًا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي”.
- الذكاء الشديد: اتصف الشافعي بشدة الذكاء وسرعة الفهم، كما كان صافي العقل والذهن، إذ قال عنه المأمون: “امتحنته في كل شيء فوجدته كاملًا”، كما قيل عنه: “لو وُزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم”.
- الورع وتقوى الله عز وجل.
- حسن الخلق والتواضع.
- الفطنة والفراسة.
- الخضوع للحق وبذل النصح للعالم.
مؤلفات الشافعي
كتب الشافعي عشرات الكتب في أصول الفقه، ومن أهم كتبه كتاب الرسالة، وهو أول كتاب في علم أصول الفقه، بالإضافة إلى كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح، وفيما يلي أهم مؤلفاته:
- كتاب الرسالة.
- كتاب اختلاف الحديث.
- كتاب جماع العلم.
- كتاب إبطال الاستحسان.
- كتاب أحكام القرآن.
- كتاب صفة الأمر والنهي.
- كتاب بيان فرض الله عز وجل.
- كتاب اختلاف مالك والشافعي.
- كتاب علي وعبدالله.
- كتاب فضائل قريش.
- كتاب اختلاف العراقيين.
- كتاب الرد على محمد بن الحسن.
شعر الامام الشافعي
لم يكن الشافعي عالمًا بالفقه وأصوله فحسب بل كان بارعًا كذلك في نظم الشعر، ولم يكن يقصد التقرب إلى أصحاب المال والجاه بل تضمنت أشعاره الحكم والمواعظ، وفيما يلي أبيات من شعر الشافعي التي تظهر فصاحته وبلاغته:
إذا شئت أن تحيا سليمًا من الأذى ** ودينك موفور وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ** فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك ٱن أبدت إليك معايبًا ** فصنها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ** ودافع ولكن بالتي هي أحسن
أشهر الأقوال والحكم
للشافعي العديد من الأقوال والحكم التي تحمل كنوز من العبر، ومن أهمها ما يلي:
تموت الأسود في الغابات جوعًا ** ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير ** وذو نسب مفارشه التراب
كما قال في آداب التعلم:
اصبر على مر الجفا من معلم ** فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة ** تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه ** فكبر عليه أربعا لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقى ** إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
كما قال عن الصديق الصدوق:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا ** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة ** وفي القلب صبر للحبيب وإن جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ** ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ** فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ** ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وفاة الامام الشافعي
عاش الإمام الشافعي في مصر لمدة 5 سنوات، ثم اشتد عليه المرض حتى توفي عام 204 هجرية في القاهرة، وكان يبلغ من العمر أربعًا وخمسين عامًا، وقد روي أنه عندما سُئل عن حاله أثناء مرضه قال:
“أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله واردًا، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها”، ثم بكى وقال عدد من أبيات الشعر التي سنتناولها فيما يلي:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ** جعلت رجائى نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته **بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ** تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يغو بإبليس عابد ** فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وإني لآتي الذنب أعلم قدره ** وأعلم أن الله يعفو ترحما
الخاتمة
تعرفنا في هذا المقال إلى الامام الشافعي أحد أئمة المذاهب الفقهية الأربعة لدى أهل السنة والجماعة، كما أنه مؤسس علم أصول الفقه الذي وضعه في كتابه الرسالة.
كتب الامام الشافعي العديد من المؤلفات، كما أنه له العديد من الأشعار التي تتضمن الحكم والمواعظ، وقد تميز الشافعي بذكائه الشديد وفصاحة لسانه وعلمه الغزير وكثرة ترحاله بين البلدان، وقد أثنى عليه الكثير من العلماء.